الموسوعة الحديثية الأولي
فضيلة الشيخ أبو إسحاق الحويني
جمع
مجلة الإيمان الإسلامية
www.al-eman.50megs.com
يسأل القارئ: م. أ . دقهلية عن هذه الأحاديث.
1 يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا إلى القبلة.
2 من محمد رسول الله إلى بكر بن وائل، أسلموا تسلموا.
3 من كذَّب بالقدر أو خاصم فيه، فقد كفر بما جئتُ به.
والجوابُ بحول الملك الوهاب:
أمَّا الحديث الأول: "يكون عليكم أمراء..." فهو حديث "ضعيف" أخرجه أبو داود (434)، وابن سعد في "الطبقات" (56/7)، وابنُ قانع في "معجم الصحابة" (343/2) قال: حدثنا محمد بن عيسى بن السكن، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (ص2334) عن أبي مسلم الكشي ويحيى بن مطرف قال أربعتهُم: ثنا أبو الوليد الطيالسيُّ، ثنا أبو هاشم الزعفراني، ثنا صالح بن عبيد، عن قبيصة بن وقاص مرفوعًا.
وأخرجه البخاريُّ في "التاريخ الكبير" (173/1/4) قال: قال أبو الوليد هشام بن عبد الملك هو الطيالسيُّ بهذا الإسناد. ثمَّ أخرجه عن روح بن عبادة قال: نا عمار بهذا الإسناد.
قُلْتُ: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ. وصالح بن عبيد وثقه ابن حبان، ولكن قال ابنُ القطان: "لا نعرف حاله أصلا" ولم يتابعه أحدٌ وقفت عليه وأبو هاشم الزعفراني، هو عمار بن عمارة وثَقه ابنُ معين، وابنُ حبان ونقل الفسوي توثيقه في "المعرفة" (669/2). وقال أبو حاتم: "صالح، ما أرى بحديثه بأسًا". وقال البخاريُّ: "فيه نظرٌ".
أمَّا الحديث الثاني: "من محمد رسول الله..." فهو محتملٌ للتحسين أخرجه أبو يعلى (2947)، والبزار (1670)، وابنُ حبان (ج14 - رقم6558)، والطبرانيُّ في "الصغير" (307) قال: حدثنا بكر بن أحمد بن سعيد الطاحن. وأبو محمد الجوهري في "حديث أبي الفضل الزهري" (ج/3ق1/64) قال: حدثنا أبو عمر عبيد الله بن عثمان بن عبد الله العثماني وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1629) قالوا: ثنا نصر بن عليٍّ، ثنا نوح بن قيس، عن أخيه خالد بن قيس، عن قتادة، عن أنسٍ أن النبيَّ صلي الله عليه وسلم كتب إلى بكر بن وائل: "من محمد رسول الله إلى بكر بن وائل: أسلموا تسلموا" قال: فما وجدوا من يقرؤهُ لهم إلا رجلا من بني ضُبيعة، فهم يسمون: بني الكاتب.
قال البزار: "لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد". وقال الطبرانيُّ: "لم يروه عن قتادة، إلا خالد بن قيس" وخالد ونوح كلاهما صدوق وقال الهيثميّى في "المجمع" (305/5): "رواه أبو يعلي والبزار والطبرانيُّ في الصغير.
قُلْتُ: وخالد بن قيس وثقه ابنُ معين، والعجليُّ، وابن حبان. وقال ابن المديني: "ليس به بأس" لكن قال الأزديُّ: "روى عن قتادة مناكير". وهذا من روايته عنه، وقد خالفه شيبان بن عبد الرحمن وهو أوثقُ منه، فرواه عن قتادة، عن مضارب بن حزن العجليِّ، عن مرثد بن ظبيان، قال: جاءنا كتابٌ من رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فما وجدنا له كاتبًا يقرؤهُ، حتى قرأهُ رجل من بني ضُبيعة: "من رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى بكر بن وائل: اسلموا تسلموا".
أخرجه أحمد (68/5)، ومن طريقه ابنُ الأثير في "أسد الغابة" (136/5) قال: حدثنا يونس بن محمد المؤدب وحسين بن محمد بن بهرام، قالا: ثنا شيبان بهذا ورواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن رجل من بني سدوس قال: كتب رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى بكر بن وائل... قال قتادة: فما وجدوا رجلا يقرؤه... الخ، أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (281/1) قال: حدثنا علي بن محمد القرشي، عن سعيد ابن أبي عروبة به. وابن أبي عروبة من الأثبات في قتادة، لكن الراوي عنه: علي بن محمد بن أبي الخصيب القرشي، أحد شيوخ ابن ماجة ذكره ابن حبان في "الثقات" (475/ وقال: "ربما أخطأ" وقال ابنُ أبي حاتم: "محلُّه الصدق"، وسعيد بن أبي عروبة كان اختلط، والقرشي ليس من قدماء أصحابه، نعم وجدتُ له متابعًا، فرواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: لقد حدَّث مرثد بن ظبيان أحد بني سدوس رضي الله عنه فذكره كله ولم يجعل شيئًا من المتن من قول قتادة. أخرجه ابنُ أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1658) قال: حدثنا يوسف بن حمادٍ، ثنا عبد الأعلى بهذا. وعبد الأعلى من قدماء أصحاب سعيد، ولكن أرجح الأقوال عندي هو قول شيبان بن عبد الرحمن. وإسنادُهُ صالحٌ. ومضارب بن حزن وثقه ابنُ حبان والعجليُّ، وروى عنه جماعة. والله أعلمُ.
أمَّا الحديث الثالث: "من كذَّب بالقدر..." فهو حديثٌ منكرٌ.
أخرجه ابنُ عدي في "الكامل" (455/3)، وأبو محمد الجوهري في "حديث أبي الفضل الزهري" (ج/3ق2/65) قالا: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز هو أبو القاسم البغويُّ ، قال: حدثني أبو الجهم العلاء بن موسى؛ وهذا في "جزئه" (89) قال: حدثنا سوَّار بن مصعبٍ، عن كليب بن وائل، قال: سمعتُ ابن عمر يقول: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم فذكره.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًا، وسوار بن مصعب واهٍ، لا سيما وقد قال ابنُ عدي: "وهذا عن كليب، يرويه سوَّار بن مصعب" وهذا يعني أنه تفرّد به. وقد تابعه سوَّار بنُ عبد الله بن قدامة العنبريُّ قاضي البصرة فرواه عن كليب بهذا أخرجه العقيليُّ (170/2) وقال: "قد رُوي في الإيمان بالقدر أحاديث صحاحٌ، وأمَّا هذا اللَّفظ، فلا يحفظ إلا عن هذا الشيخ". وقد قال الحافظ ابنُ حجر في "لسان الميزان" (127/3) معلِّقًا على رواية العقيلي: "لعلَّه وقع في الرواية غير منسوب ونسبهُ بعضُهم فأخطأ، وإلا فهذا الحديث رويناه في جزء أبي الجهم عن سوَّار بن مصعبٍ، عن كليبٍ" انتهى. وعندي أن هذا ليس بكافٍ في دعوى التخطئة. مع سقوط الحديث، والله أعلمُ.
*******************
ويسأل القارئ م ي أ عن صحة هذا الحديث وعن معناه: "من صام الدهر، ضُيِّقت عليه جهنم هكذا". وعقد تسعين.
والجواب بحول الملك الوهاب: أنه لا يصحُّ مرفوعًا، وثبت وقفهُ. فأخرجه النسائيّ في "المحاربة" كما في "أطراف المزى" (181/6) ، وابنُ خزيمة (2154،2155)، وابن جرير في "تهذيب الآثار" (485 مسند عمر)، والبزار (3062 البحر) من طرقٍ عن محمد بن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي تميمة وهو طريف بن مجالد ، عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا به.
قال ابن خزيمة: "لم يُسند هذا الخبر عن قتادة غير ابن أبي عدي، عن سعيد" وقال البزار: "وهذا الحديث قد رواه غيرُ واحدٍ، عن قتادة، عن أبي تميمة، عن أبي موسى موقوفًا، وأسنده ابنُ أبي عدي، عن ابن أبي عروبة".
قُلْتُ: كذا قالا، ولم يتفرّدْ محمد بن إبراهيم بن أبي عدي بوصله، فتابعه عبد الأعلى بن عبد الأعلى، قال: نا سعيد بن أبي عروبة بهذا الإسناد سواء.
أخرجه الرُّوياني في "مسنده" (561) قال: أخبرنا محمد بن بشار، نا ابنُ أبي عدي وعبد الأعلى، قالا: نا سعيد بن أبي عروبة بهذا وقد توبع ابن أبي عروبة على رفعه.
تابعه شعبة بن الحجاج، فرواه عن قتادة بهذا الإسناد.
أخرجه ابنُ جرير في "تهذيب الآثار" (486 مسند عمر) قال: حدثنا ابنُ بشارٍ، وابنُ المثنَّى، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة. وقد روى ابنُ جرير قبله حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بهذا مرفوعًا ثم أردفه بحديث شعبة ثم قال: "بنحوه". وهذا يقتضي أن حديث شعبة مرفوعٌ. وقد رواه غيرُ محمد بن جعفر عن شعبة موقوفًا.
فأخرجه أحمد (412/4)، وابنُ أبي شيبة (78/3) قالا: حدثنا وكيعٌ. والطيالسيُّ (513)، ومن طريقه ابن جرير (488) والبيهقيُّ (300/4) قالا: ثنا شعبة، عن قتادة به موقوفًا.
وفي "مسند الطيالسيّ": "لم يرفعْه شعبةُ، ورفعه سعيدٌ". ووقفُهُ عن شعْبة أشهر. وهو أصحُّ في حديث قتادة.
فقد رواه أيضًا همامُ بن يحىى، عن قتادة بهذا الإسناد موقوفًا.
أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب" (563) قال: حدثني مسلم بن إبراهيم، ثنا همامٌ بهذا.
وتابعه أيضًا هشام بن أبي عبد الله الدستوائيُّ، عن قتادة مثله موقوفًا أخرجه ابنُ جرير في "التهذيب" (487،489) من طريق معاذ بن هشام وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، قالا: ثنا هشام الدستوائي به.
فقد رأيت أراك اللهُ الخير أن شعبة على اختلافٍ عنه، وهشامًا الدستوائيّ، وهمام بن يحىى رووا هذا الحديث عن قتادة موقوفًا وتأيدت رواية قتادة الموقوفة، بمتابعة سفيان الثوري، فقد رواه عن أبي تميمة، عن أبي موسى رضي الله عنه موقوفًا.
أخرجه عبدُ الرزَّاق في "المصنّف" (ج/4رقم7866).
ورواه عقبة بن عبد الله الأصمُّ وهو ضعيفٌ، عن أبي تميمة، عن أبي موسى موقوفًا.
أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص197). قال: حدثني حوثرة بن أشرس بن عون العدوي، قال: أخبرني عقبة بن عبد الله بهذا.
أمَّا روايةُ الرفع، فتابع ابن أبي عروبة عليها أبان بن أبي عيَّاش. أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب" (564) قال: حدثني مسلم بن إبراهيم قال: ثنا أبان بن أبي عياش، عن أبي تميمة، عن أبي موسى مرفوعًا. قال همامٌ، فقلتُ له: فإن قتادة لم يرفعْهُ، فقال أبانُ: أخبرني في بيتي مرفوعًا.
وإسنادهُ ساقطٌ، وأبانُ تالفٌ، ولكن تابعه الضحَّاك بن يسار أبو العلاء البصريُّ، أنه سمع أبا تميمة يحدِّثُ به عن أبي موسى مرفوعًا أخرجه أحمد (412/4) قال: حدثنا وكيعٌ. والبزار (3063 البحر)، والبيهقيُّ في "السنن الكبير" (300/4)، وفي "السنن الصغير" (1415) عن الطيالسيِّ وهذا في "مسنده" (514)، وابنُ حبان (3584)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (2562) عن حفص بن عمر. والعقيليُّ في "الضعفاء" (2-219)، والبيهقي فى "الكبير" (4-300)، وفى "الشعب" (3891) عن أبي الوليد الطيالسيّ قالوا: ثنا الضحاك بن يشار بهذا الإسناد. وإسنادُهُ ضعيفٌ.
والضحاك؛ ضعّفه ابن معين، وأبو داود، والساجي، والعقيليَّ، وابنُ الجارود. ومع تضعيف هؤلاء النقاد له، قال ابنُ عدي: "لا أعرفُ له إلا الشيء اليسير" فهذا مما يقوي ضعفَهُ، خلافًا لأبي حاتمٍ، فإنه قال: "لا بأس به". وهذا قلَّما يقع لمثل أبي حاتم. والله أعلم.
وقد قال العقيلي في ترجمة "الضحَّاك": "وقد روي هذا عن أبي موسى موقوفًا، ولا يصحُّ مرفوعًا".
أمَّا معنى الحديث على فرض صحته؛ فقال ابن خزيمة (313/3143): "سألتُ المزنيَّ عن معنى هذا الحديث، فقال: يشبه أن يكون معناه، أي: ضيِّقت عنه جهنم، فلا يدخلُ جهنم، ولا يشبهُ أن يكون معناه غير هذا، لأن من ازداد لله عملا وطاعةً، ازداد عند الله رفعةً، وعليه كرامةً، وإليه قُرْبةً. هذا معنى جواب المزنيَّ". انتهى.
وقال البزار: "يحتمل معناه عندي والله أعلمُ أن تضيق عليه فلا يدخُلُها، جزاءً لصومه، ويحتمل أيضًا إذا صام الأيام التي نهى النبيُّ صلي الله عليه وسلم عن صومها، فتعمَّد مخالفة الرسول صلي الله عليه وسلم ، أن يكون ذلك عقوبةً، لمخالفة رسول الله صلي الله عليه وسلم ". انتهى.
ونقل الحافظ في "الفتح" (223/4) كلام ابن خزيمة، ثم قال: "ورجّح هذا التأويل جماعةٌ، منهم الغزاليُّ، فقالوا: له مناسبةٌ من جهة أن الصائم لمَّا ضيَّق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم، ضيَّق الله عليه النار، فلا يبقى له فيها مكانٌ، لأنه ضيَّق طرقها بالعبادة، وتُعُقِّب: ليس كلُّ عمل صالحٍ إذا ازداد العبدُ منه، ازداد من الله تقرُّبًا، بل رُبَّ عمل صالحٍ إذا ازداد منه، ازداد بُعْدًا كالصلاة في الأوقات المكروهة، والأولى إجراء الحديث على ظاهره، وحمله على من فوَّت حقًا واجبًا بذلك، فإنهُ يتوجَّه إليه الوعيد، ولا يخالفُ القاعدة التي أشار إليها المزنيُّ" اه.
قُلْتُ: وهذا جوابٌ بديعٌ من الحافظ رحمه الله، وما أمرُ الخوارج عنك ببعيد، فقد اتفق كلُّ من نقل أخبارهم على أنهم كانوا من أعبد الناس، حتى كنت ترى سيما الصلاة في وجه الواحد منهم كرُكبة العنز، مع فرط تألُّههم، وتجافيهم عن الدنيا، ومع ذلك قال فيهم رسولُ الله صلي الله عليه وسلم : "يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرَّميَّةِ، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم؛ لأقتلنهم قتل عادٍ".
فقومٌ يقول عنهم رسولُ الله صلي الله عليه وسلم مثل هذا القول الشديد، لا يزدادون بعبادتهم إلا بُعْدًا، وصدق ابن مسعودٍ رضي الله عنه إذ قال: "اقتصادٌ في سنةٍ، خيرٌ من عمل كثيرٍ في بدعةٍ". أو كما قال.
وما أحسن ما رواه البيهقيُّ في "سننه" (466/2) من طريق أبي زرعة الرازي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سفيان، عن أبي رباحٍ، عن سعيد بن المسيب؛ أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، يكثر فيها الركوع والسجود، فنهاهُ. فقال: يا أبا محمد! يعذبُني اللهُ على الصلاة؟! قال:
عدل سابقا من قبل في الأربعاء فبراير 06, 2008 10:51 pm عدل 1 مرات